كيفية توجيه سلوك الأطفال
دراسة لنفسية الأطفال وواجبنا نحوهم
أولا:توطئة: (التمهيد والتوضيح)
رأيت أن ألج هذا الموضوع لما يشكل من أهمية كبيرة على المستويين المنزلي والمدرسي. ففي المنزل كثيرا ما نواجه تساؤلات الآباء وحيرتهم في التعامل مع أبنائهم وكيفية توجيه سلوكياتهم الصعبة والخطيرة في بعض الأحيان . وعلى المستوى المدرسي نجد الكثير من مثل هذه المظاهر التي تخلق جوا من التساؤل عند المعلمين الذين لا يجدون سبيلا لمعالجة مثل هذه الحالات . وقد يلجأ الأب كما يلجأ المعلم إلى استعمال العنف أو العقاب الجسدي . وقلما تسلم الجرة فيزداد الطين بلة . فما الحل؟؟
ومن أجل تحقيق الهدف من هذه الدراسة والتصدي لمباحثها العميقة رأيت أن أنوه أولا إلى أن هناك العديد من المتناولات للموضوع بكيفيات مختلفة قد يجدها القارئ بين ثنايا الكتب والمجلات . إلا أن الإضافة التي نزعم تحقيقها هي الوقوف عند أهم النقاط المتعلقة بالموضوع بالكيفية المبسطة التي يسهل فهمها وتطبيقها.
ولا أزعم في ذلك أن الحل يمكن أن يجده القارئ في هذه الوريقات والتي هي خلاصة اطلاع وتجربة في نفس الوقت . و سأحاول عرض الموضوع على شكل سلسلة متواصلة أقدم فيها المواضيع تباعا كل حين إن شاء الله وأرجوا بذلك أن أجد التواصل والتوجيه والنقد والإضافة والتعديل حتى يكتمل الفهم والتحصيل وتكون النتائج مرضية وفي صالح العمل التربوي والتعليم. وسيجد القارئ في مباحث هذا الموضوع ما يلي
المبحث الأول : ما هو الطفل ؟ ( مفهوم الطفولة ومراحلها )
المبحث الثاني: نظرة الآباء والمجتمع للطفل. ( ما نريده من الطفل)
المبحث الثالث: أسباب السلوكيات غير المقبولة للطفل.
المبحث الرابع: تدخل الآباء لعلاج الأمر.
المبحث الخامس: المحفزات والمثبطات المغيرة للسلوك غير المقبول.
المبحث السادس: اللجوء إلى طلب المساعدة وتدخل المختصين.
أملي أن أستطيع إكمال هذه المباحث .وليعذرني بعد ذلك كل متصفح لهذه الأوراق على كل خطأ أو زلل لم أقصد إليه وليصوبني كل من يملك الصواب وليدعوا لي الكل بالثبات والجزاء الحسن ، فلا تبخلوا علينا بدعائكم وشكرا.
المبحث الأول : من هو الطفل؟؟ ( مفهوم الطفولة ومراحلها)
جاء في وثيقة حقوق الطفل المادة الأولى ((أن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه.))
وهذا المفهوم يجعل كل من هو دون الثامنة من عمره طفلا تلزمه رعاية الأبوين والأسرة والمجتمع والهيئات التربوية والتعلمية . وهذا ما يجعل من مسؤولية الأولياء تقع على كل ما يلحق بالطفل من متابعات طبية وقانونية وتربوية تعليمية...
وبالإضافة إلى هذا المفهوم يمكن القول أيضا أن الطفل كائن حي أعطاه الله الكثير من الإختلاف عن الكبير وخاصة ما تعلق بالسلوك فرفع عنه الحساب والعقاب وفي ذلك يقول الرسول صلعلم:"رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتّى يستيقظ ، وعن الصغير حتّى يكبر ، وعن المبتلى حتّى يعقل "
ولكن الطفل مع ذلك ذكي حساس فتراه يستخدم أحاسيسه للتعامل مع من حوله من الناس إذ يجد نفسه في هذه المرحلة في احتكاك مع عدد متزايد من أنماط الناس الذين يقيم معهم وباستمرار العديد من ضروب التفاعل الاجتماعي وتكون الطفولة المبكرة فترة حاسمة يحقق فيها الكبار التأهيل الاجتماعي للصغار وينقلون إليهم تراثهم الاجتماعي. ومن أجل ذلك وجب الإنتباه إلى طريقة التعامل مع هذه الفئة التي نسمييها ( أطفال) بحيث لا تكون معاملتنا لهم سبيلا لانحرافهم أو انطوائهم .. فنخسرهم بعد ذلك أفرادا متيزين فاعلين منتجين في المجتمع.
نمو الطفل: ينموا الطفل بسرعة كبيرة نموا جسديا وعقليا ويمكن أن نوجزه في ما يلي:
أ_ مرحلة الرضاعة: تمتد مرحلة الرضاعة بين الولادة ونهاية السنة أو السنتين تقريباً وتتميز بكونها فترة نمو مرن يشمل جوانب الفرد كلها . ففي نهاية الشهر الثاني عشر يزداد وزن الطفل بمقدار ثلاثة أضعاف وزنه عند الولادة كما يزداد طوله بمقدار ثلث طوله عند الولادة وتتباطأ نسبة النمو تدريجياً بعد نهاية السنة الأولى ويبلغ الطفل في نهاية سنته الثانية ربع وزن الراشد ما بين (14 إلى 20 كلغ)ونصف طوله تقريباً ما بين( 50 إلى 60 سنتميتر)
وفي هذه المرحلة يظهر الطفل العديد من المهارات فبدءا من الشهر الرابع يبدأ في التفريق بين أعضائه فيصل بيده إلى فمه ويستطيع ابتداءا من الشهر السابع أن يزحف على بطنه ويمشي على يديه ورجليه .. واعتبارا من الشهر العاشر يستطيع الوقوف والمشي كما يستطيع مع نهاية السنة إمساك الأشياء وأكلها وإصدار بعض الأصوات.. أما مع بلوغه السنتية فهو يصبح قادرا على الجري والتكلم وإن كانت الكلمات لا تخرج واضحة كما يستطيع الكل بمفرده ، ويستطيع الذهاب إلى المرحاض إذا عود على ذلك بمفرده..هذا عن النمو الجسدي أما النمو العقلي فقد يظهر بعض الإختلاف بين الأطفال ولكنه يبقى طفيفا وبسيطا وتقدير ذلك يبقى صعبا لا يمكن قياسه .. فإذا ما اغتنى وسط الطفل أو افتقر مثلا انعكس ذلك في أداء قدراته العقلية .
ب_ مرحلة ما قبل المدرسة: وهي مرحلة تمتد من بداية العام الثالث إلى نهاية السنة الخامسة تقريبا.. وهي مرحلة ينو فيها الطفل نموا ظاهرا بارزا حيث يزداد طول الطفل بمعدل 7 سم في السنة وذلك بين السنتين الثانية والخامسة في العام. وبالمقابل تتباطؤ زيادة الوزن أو تتوقف لفترة عندما يكون الطفل الكثير الحركة ثقيل الجسم الأمر الذي قد يجعله يغدو طويلاً نحيلاً دون أن يكتسب أي وزن خلال جانب من فترة ما قبل المدرسة.
وينموا الأطفال في هذه الفترة نموا عقليا واضحا وجليا حيث تتكون للأطفال في هذه المرحلة العمليات المعرفية المتنوعة كالإدراك والذاكرة والتعلم وحل المشكلات واللغة. ويتسع إدراك الطفل للعالم ويتعمق بسبب اشتداد حدة قوته العقلية إذا ما قورن الأمر بذكاء الرضيع .
وقد درس<< بياجه>> عالم التفكير لدى الطفل في هذه المرحلة ووصفه بالخصائص المميزة التالية :
1_السببية الظاهرية : ووفقها يفترض الطفل أن ثمة علاقة سببية بين الأشياء التي تحدث معاً فقد يخاف الطفل ويحدث أن يختبئ خلف غطائه فيتوصل إلى الاعتقاد بأن الغطاء قد حماه من الأذى.
2- الإحيائية : وهي نزعة تقوم على الاعتقاد بأن الأشياء الجامدة حية ذلك لأن الطفل ينمط العالم المادي من حوله في إطار تجربته إذ أنه يحس بالألم والحرارة والبرد فإنه يفترض أن الحجر والشجرة تتألم وتتضايق من الحر والبرد.
3- الغرضية : إذ يعتقد الصغار أن كل شيء في العالم صنعه الإنسان لهم وإذا وجب أن يكون لكل شيء غرض ويجب أن تفهم كلمة الطفل الأزلية ( لماذا ) في هذا الإطار وعلينا بالتالي أن نوفر الإجابات الملائمة لأسئلة الطفل بحيث يفهمها الأخير وتبقى على جانب من الحقيقة فالشمس وجدت لتدفئنا وتختفي الفراشات في الأعشاب كي لا تأكلها العصافير...
ج_ مرحلة الطفولة المتوسطة: وتمتد الطفولة المتوسطة بين السنتين الخامسة أو السادسة وبين الحادية عشرة أو الثانية عشرة ، كما يقول علماء النفس. وفي هذه المرحلة ينموا الطفل نموه الجسدي بشكل طبيعي ولكنه قد يتأثر بالمحيط المادي للأسرة. ولكن النمو الطبيعي يكون بزيادة 8 سمنتمر في الطول و 2.5 كغ في الوزن كل سنة من سنوات هذه المرحلة.
وتزداد مهارات الطفل في هذه المرحلة وتصبح ملاحظة وتكون أكثر هذه المهارات حركية فيتعلم الطفل القفز واللعب بالكرة ...
أما الحديث عن النمو العقلي فيسوقنا إلى القول بأن الطفل في هذه المرحلة يكتسب بعض المهارات والمعارف التي تفيد في التكيف الاجتماعي.فيستطيع الأطفال تعلم القراءة والكتابة التي تمكنه من تحصيل العلوم والمفاهيم واللغة.
وتتحسن قدرة الأطفال شيئا فشيئا على تنظيم المعلومات الإدراكية بصورة منطقية مع نضجهم فيستطيع كبار الأطفال فرز قدر من المعلومات أكبر وأكثر تعقيداً مما يستطيعه صغارهم. ويجمع الباحثون الآن على أن استخدام الصغار للتصنيف المعرفي يتصاعد مع تصاعد العمر والنضج .
وتبدأ الفوارق بين الأطفال تتضح وتتباين عندما تبدأ القدرات العقلية ( الذكاء التذكر التخيل ) تفرز نتائجها . وفي هذا المضمون يمكن الإطلاع على الدراسات التي أجريت لفحص هذه القدرات ومعرفة الفروق بين القدرات عند المتعلمين.
وعلى الرغم من أن صبيان ما قبل المدرسة وبناتها يلبسون بشكل مختلف عن بعضهم بعضاً ويبدون بعض الفروق في ممارسة الفعاليات المختلفة فإنهم يقيمون قليلاً من التمايز بين بعضهم ويلعبون معاً بشكل يثير رضاهم إلا أنه وبدءاً من السنة السادسة أو السابعة يميل كل من الصبيان والبنات لإقامة فئات لعب معزولة وممارسة فعاليات ذكورية وأنثوية متباينة وتشير تلك التغيرات إلى أن أطفال المدرسة الابتدائية قد بدؤوا يشكلون هوية نفسية كأعضاء في هذا الجنس أو ذاك . ولعل ذلك نتيجة أسباب كثير بعضها عضوي ( الفروق الفزيولوجية بين الجنسين) وبعضها اجتماعي ( معاملة الآباء والمجتمع للجنسين بطريقة مختلفة...)
د_ مرحلة الطفولة المراهقة: وهي مرحلة تكون بين سنوات (14-1، وهي مرحلة اكتمال التغيرات البيولوجية. وتوجد مراهقة أخرى ولكنها مراهقة ما بعد الطفولة وهي ليست موضوع بحثنا.
وتعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفة التي تتسم بالتجدد المستمر، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد، هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة (الجسمية والفسيولوجية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية والخلقية)
و ترجع كلمة "المراهقة" إلى الفعل العربي "راهق" الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام فهو مراهق، أي: قارب الاحتلام، ورهقت الشيء رهقاً، أي: قربت منه. والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد. وهذا المفهوم لا يختلف كثيرا عن مفهوم علم النفس للمراهقة الذي يراى فيها << مرحلة الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي>>
وفي هذه المرحلة تحدث قفزة في النمو، طولاً ووزناً، تختلف بين الذكور والإناث، فتبدو الفتاة أطول وأثقل من الشاب . ويتسع الكتفان بالنسبة إلى الوركينعند الذكور ، و يتسع الوركان بالنسبة للكتفين والخصر عند الإناث، وعند الذكور تكون الساقان طويلتين بالنسبة لبقية الجسد، وتنمو العضلات.
ويبدأ في هذه المرحله نمو آخر لم يكن معروفا في بقية المراحل وهو النمو الجنسي الذي يتحدد عند الإناث بظهور الدورة الشهرية، ولكنه لا يعني بالضرورة ظهور الخصائص الجنسية الثانوية (مثل: نمو الثديين وظهور الشعر تحت الإبطين وعلى الأعضاء التناسلية)و يكون ذلك في حدود العام الثالث عشر. أما عند الذكور، فيتحدد بزيادة حجم الخصيتين، وظهور الشعر حول الأعضاء التناسلية لاحقاً، مع زيادة في حجم العضو التناسلي، و يحصل القذف المنوي الأول عندهم في العام الخامس عشر تقريباً.
وهناك حسب الدراسات النفسية عدة أشكال من المراهقات نذكر منها:
1- مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات.
2- مراهقة انسحابية، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه، حيث يتأمل ذاته ومشكلاته.
3- مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.
والخلاصة أن هذه المرحلة يجب الاهتمام بها على كل الأصعدة ذلك أنها وحدها تخبر عن ماذا يمكن أن يكون من أمر رجل المستقبل فكلما ك ان الاهتمام بها موجها ومبنيا على أساس سليم صحيح كلما كانت نتائج صناعة الفرد الناجح المفيد كبيرة وناجعة.
إلى اللقاء مع الجزء الثاني